{مواقف رمضانية لا تُنسى}"6"
فى شهر مضان الكريم تصفو النفوس وتعلو الهم
ويرتفع جهد المرء فى الصلاة والصيام والقيام بكل ما يقرب إلى الله والابتعاد عن كل
ما نهى الله عنه وذلك لنيل ثواب الله ، فيدعو المرء الله سبحانه وتعالى أن يغفر له
ذنوبه ويكفر عنه سيئاته.
ومن أجل الأعمال أن يغفر المرء لمن أخطأ
من المسلمين فى حقه حتى يغفر له الله ذنوبه التى ارتكبها ويتوب عليه ، وإذا فعل ذلك
ربما يرتقى لمرحلة أعلى فى قربه لله سبحانه وتعالى ، وذلك حينما يسمع من يغتابه أو
يذمه ويترفع عن هذه الأخطاء ويتعامل مع المخطئ وكأن شيئاً لم يكن ، وهذا ما يسمه المربون
خلق التغافر.
"تخطئون فينا فنعتذر لكم ،ونمرض فنعودكم
"هذه العبارة يكررها كبار الدعاة إلى الله ويعلمونها لتلامذتهم ، ومعناها أن من
أخطأ فينا يجب علينا أن نعتذر له ،وكأننا نحن الذين أخطأنا فيه ، وذلك حتى يعم التسامح
والتغافر بيننا وبينه، وإذا مرضنا ولم يزرنا فنسارع إلى زيارته لنطمئن عليه فلا عتاب
ولا لوم ، ما أحلى هذه المشاعر والأحاسيس حينما تنتشر بين الناس ، ولماذا لاتنتشر ؟!!
ويزداد المرء فهما لهذه العبارة حين يقرأ
أو يسمع أن شيخ الإسلام "ابن تيمية "كان يتعامل مع أعدائه معاملة يتمنى أتباعه
أن يتعامل معهم بها ، رغم أن أعداءه كانوا يكثرون من سبه والتشهير به وهو لا يتحدث
عنهم إلا بالخير . ولما تُوفى أحد أعدائه سارع بالذهاب إلى أهل بيته ليخبرهم بأنه سيكفلهم
طيلة حياته ، وسيتحمل عنهم أعباء معيشتهم.
وها هو الأستاذ /عمر التلمسانى المرشد الثالث
للإخوان المسلمين وأثناء تغييبه فى السجون سنوات طويلة يأتي خبر وفاة الرئيس جمال عبد
الناصر فإذا به يدعو له بالرحمة، فيستغرب كل من حوله من الإخوان من هذا الموقف، ولكنهم
يتعلمون منه أن من أرقى صفات الدعاة إلى الله الاستعلاء على فكرة الانتقام الشخصي،
بل ويقومون بالدعاء لمن ظلمهم بالرحمة .
وقيل :- كأن سيد الشهداء "حمزة بن
عبد المطلب "حين قتل بحربة "وحشى بن حرب" وهو يرى الجنة وما فيها من
قصور وحور عين ، وما "لاعين رأت ، و لا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر"
، كأنه دعى - لحظتها- لمن قتله وكان سببا فى نيله للشهادة ، أن يريه الله ما رآه من
الجنة ، فإذا بوحشى يدخل الإسلام بعد ذلك ويحسن إسلامه وبالحربة التى قتل بها حمزة
يقتل مسيلمة الكذاب .
وهكذا حال الدعاة إلى الله وفى مقدمتهم
سيد البرية "محمد بن عبد الله " (ص) الذى طلب منه الملك أن يأمره أن يطبق
الأخشبين (الجبلين )على أعدائه المشركين، ولكنه يرفض لعل الله يخرج من بين أصلابهم
من يوحد الله ، وقد كان ، وبعد سنوات طويلة من حربهم له يسأله المشركون عما هو فاعل
بهم فيجيبهم :- اذهبوا فأنتم الطلقاء .فهو الرحمة المهداة والمربى الأول للبشرية.
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) _ (وإنك لعلى خلق عظيم ) .
إنها الفرصة العظيمة التى يمكننا من خلالها
أن نغير أخلاقنا وأحوالنا فى شهر رمضان المبارك ، عسى أن نلقى ربنا ونحن فى أحسن الأحوال
، اللهم أحسن خاتمتنا !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق