{{مواقف رمضانية لا تُنسى}}
"13"
لقد جاء الإسلام ليسمو بالنفوس البشرية
، فيرتقى بها من خلال تنقيتها من الأمراض المختلفة وخاصة أمراض القلوب وأشدها خطرا
مرض الحسد ذلك بتربيتها وتزكيتها ، و وبين القرآن الكريم ذلك الأمر بوضوح شديد ، فقال
تعالى : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
ودائما ما يأتى شهر رمضان ليطهر الصائمن
من أمراض القلوب ومن أشد تلك الأمراض ضراوة مرض الحسد ، ومرض الحقد .
والحسد يختلف عن الحقد وعن الغبطة ، فإن
الحقد هو الغل الشديد ، وأما الحسد فهو تمنى زوال النعمة عن الغير ، وأما الغبطة فهي
أن يتمنى نيل وتحصيل مثل تلك النعمة. والغبطة مباحة بدون أن يتمنى زوالها عن غيره.
والحسد مرض فتّاك إذا سرى في الإنسان أفسده
وأضر به أيما ضرر، الحسد شر يتعوذ بالله منه ﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
﴾ ، ويقول صلى الله عليه وسلم : "إياكم والحسد "
، والحسد صفة الأشرار من خلق الله سبحانه
وتعالى ، ومن أول المخلوقات التى مارست الحسد هو إبليس الذى حسد أبانا "آدم"
عليه السلام ، بسبب ما أنعم الله عليه من النعم الكثيرة حيث علمه الأسماء كلها بعد
أن خلقه بيده وأسجد له الملائكة وأسكنه جنته ، فما كان من إبليس اللعين إلا ان حسده
وتسبب فى إخراجه من الجنة ، ومازال هذا المخلوق اللعين يمارس حسده على الإنسان ليغويه
فى الملذات والشهوات ، فيستدرجه لارتكاب الآثام والمعاصى والذنوب وكل ما يغضب الله.
وقد تسبب مرض الحسد فى قيام "قابيل"
بن "آدم" عليه السلام بقتل أخيه "هابيل" ظلما وعدوانا ، وكذلك
ما قام به اليهود من جرائم فى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم حسدا من عند أنفسهم
لاصطفاء الله له بالرسالة والنبوة ، فظلوا يحاربون دعوته ويصدون عنها ويثيرون الشكوك
والشبهات حول دين الله ، ولم يتوقفوا عن تدبير المؤامرات والخطط لقتل الرسول صلى الله
عليه وسلم ، وشن الحروب عليه وعلى المؤمنين من حين لآخر ، وتحالفوا ضد الدين الجديد
مع كل أعدائه من كقار ومشركين ومنافقين.
الحاسد كالثعبان لا يرضى إلا ان يفرغ سُمه
فى وجه من أنعم الله عليه بنعمة من النعم ، فهو لا يرضى بقسمة الله وبتوزيعه للأرزاق
والمواهب والملكات والنعم والأموال والصحة وما إلى ذلك.
فإذا رأى أحد الناس قد أتاه الله نعمة من
النعم أو بميزة من الميزات امتلأ قلبه بالحسد والبغض والكراهية له متمنيا زوال تلك
النعم والميزات التى وهبها له الله.
الحاسد لا يرضى بقضاء الله ولا بحكمه ولا
بحكمته ولا بتدبيره ، ودائما ما يمتلآ قلبه بالكراهية والبغض للمحسود.
وبُغض الحاسد للمحسود يحمله دائما على العدوان
عليه وظلمه وارتكاب الجرائم فى حقه مهما كلفه من مجهودات شاقة ، فيقول عليه الصلاة
والسلام: " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على
بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا".
والحاسد كالنار يأكل بعضها بعضا من كثرة
الغل والكراهية للمحسود ، فبدلا من أن يذكر اللهأو يقوم بالأعمال الصالحة وأفعال الخير
وتذكير الغير بالقيام بذلك ، فإنه يظل على حاله يبغضهذا ويكره ذاك يعيش ولا هم له إلا
حسد الناسعلى ما انعم الله به عليهم.
وكلما استمر الحاسد فى غيه تراه يحسد الآخرين
بصورة مبكية أو بصورة مضحكة ، فتراه وهو الغنى الذى يمتلك المال الوفير والخدم والحشم
ومع ذلك يحسد شخصاً فقيراً لا يمتلك من أمور الدنيا إلا القليل ، يحسده لأنه صحيح الجسم
سليم الفكر مرتاح البال.
وترى آخر يحسد شخصاً مريضا استكثر عليه
زواره الكثيرين ، واهتمام الأطباء به وهونزيل مستشفى عادية لكنها مجانية ،وقد من الله
عليه بالشفاء فى مدة قصيرة.
وهذا وذاك كشخص يحسد على رجل قُتل فى حادث
على الطريق ، نقلوه فى سيارة إسعاف "موديل" آخر سنة ، وكان من قبلُ قد حسده
لما رآه ملقى على الطريق لم يجدوا ما يغطوه به سوى أوراق صحيفة ، دقق النظر فيها ،
فإذا بها جريدة يوم الحادثة.
والحسد ينتشر فى المجتمع كمرض السرطان ينتشر
فى الجسد ، فإنه يدمر المجتمع تدميرا ، ويمزقه تمزيقا ، فترى المجتمع انقسم إلى فرق
شتى فرق تحسد وفرق تُحسد ، حتى فى الأسرة الواحدة ترى الأخ حاسداً لأخيه ، ربما فى
أولاده أو املاكه أو نعم الله عليه ، والأخت على اختها فى جمالها أو فى أبنائها ، أوفى
توفيق الله لشخص ما فى التفوق فى تعليمه أو فى ارتقاء المناصب ، وما إلى ذلك.
وحتى نقاوم هذاالمرض الخبيث لابد أن يتعاون
أفراد المجتع على تذكر بعضهم بعضا بخطورة هذا المرض وخطورة آثاره على المجتمع وعلى
الأفراد ، وأنه يتسبب فى إضاعة الأوقات والمجهودات ويعطل الإنتاج والابتكار وعبادة
الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق