}ْمواقف رمضانية لا تُنسى}
"10"
بمجرد استعداد المسلمين لاستقبال شهر رمضان
المبارك فيأتيهم ، سرعان ما يتركهم وهم يستغربون كيف مضى بهذه السرعة؟ ، متمنين أن
يكون العام كله رمضان من كثرة الخيرات والبركات التى يرونها فى هذا الشهر الفضيل ،
فهو الشهر الوحيد الذى يستشعر المسلمون فيه بسرعة مروره ، الأمر الذى لا يستشعرونه
فى بقية الشهور ، وذلك لأنهم مرتبطون بكل ليلة من لياليه بصلاة القيام وبداية الشهر
وبمنتصفه وبأيام الاعتكاف وبليلة القدر وآخر ليلة من لياليه.
والوقت فى رمضان وفى غيره من الشهور له
أهميته العظمى والتى لا يستشعرها إلا أولو الألباب ، فقد قيل إن الوقت كالذهب ، وقيل
لا بل الوقت أغلى من الذهب ، فهو الحياة ، فما الحياة إلا أسطر يقلبها الإنسان فى صفحات
عمره ، واستسعار المرء لقيمة وقته يعنى أنه يستشعر أهمية وجوده كإنسان فى هذه الحياة
ويستشعر سمو وظيفته التى أرادها الله له وأنه محاسب على كل ذلك أمام الله ، وأن غاية
وجوده تتضح من قوله تعالى :
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون(56)،
ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون(57)، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين }
( الذاريات:56-58).
وحينما يتعايش المسلم مع القرآن الكريم
وهو يستمع له فى صلواته وفى المنتديات وفى الجلسات أو وهو يتلوه بنفسه ، وأثناء شرح
وتفسير الآيات الكريمة ، فإنه يستشعر أهمية الوقت فى حياة الإنسان بصفة عامة وفى حياة
المسلم بصفة خاصة ، ومن تلك الآيات الكريمة على سبيل المثال لا الحصر :
{ والليل إذا عسعس(17)، والصبح إذا تنفس
} ( التكوير:17-18(
{ والفجر(1)، وليال عشر } ( الفجر:1-2(
- { والشمس وضحاها(1)، والقمر إذا تلاها
} ( الشمس:1-2(
{والضحى(1)، والليل إذا سجى } ( الضحى:1-2(
{ والعصر(1)، إن الإنسان لفي خسر } ( العصر:1-2).
وقد ذكر العديد من المفسرين أن إقسام الله
ببعض المخلوقات دليل على أنها من عظيم آياته.
وهناك أحاديث كثيرة توضح ذلك: فعن معاذ
بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تزول قدما عبد
يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من
أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ؟ ", وعن ابن عباس رضي الله عنهما
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة
والفراغ ", وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل
" .
والوقت هو أغلى ما يملكه المرء وهو نعمة
عظيمة حباه الله بها ، ومع انه نعمة من الله فإنه معيار لحساب الله له يوم القيامة
، عن عمره كله وعن فترة شبابه بصفة خاصة ، والوقت إذا ذهب فليس باستطاعة الإنسان أن
يعيده ، وعندما يستشعر عدم قدرته على إعادته فليس له إلا الندم ولوم نفسه على تفريطه
فى تلك النعمة العظيمة والفرصة الذهبية التى سُنحت له ، فهذا الوقت لا يستطيع تخزينه
للاستفادة منه مستقبلا ، ولا يمكن أن تغييره أو تحويله ، ولا يمكن أن يقوم المرء بعمل
- أى عمل – بدون الوقت ، وكذلك فإن معيار قياس تقدم أمة من الأمم أو دولة من الدول
هو مدى اهتمامها بالوقت من عدمه ، ومن ثم وجب استغلال الوقت فورا ودون تأخير ، وذلك
هو الذى يزيد من قدر الإنسان أو يحقر من شأنه.
ومن أجمل صفات المرء التزامه بالمواعيد
، فقد مدح رب العزة نبيا كريما قائلا : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ
كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ، خلق
، فالالتزام بالمواعيد خلق الأنبياء والمرسلين
وسمت العلماء والفقهاء ، وأدب من آداب الرجال الصادقين ، فهو يحفظ الأوقات من الضياع
وتُحصل المصالح من خلاله وتعم الفائدة على الناس وتعطيهم الثقة فى ذلك الشخص الملتزم
بمواعيده.
ولنتدبر معا ما قاله هذا الحكيم :
" من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه, أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله
أو خير أسسه أو علم أقتبسه فقد عق يومه وظلم نفيه ".
وقيل فى معنى إدارة الوقت : هي الوسائل
التي تُعِينُ المرءَ على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه، والاستفادةُ من
الوقت هي التي تحدِّد الفارقَ ما بين الناجحين والفاشلين في هذه الحياة، فالسِّمةُ
المشتركة بين كل الناجحين هي قدرتُهم على الموازنة ما بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها،
والواجباتِ اللازمة عليهم، وهذه الموازنةُ تأتي من خلال إدارتهم لأوقاتهم.
فالناس متساوون من حيث كمية الوقت المتاحة
لهم فى اليوم ، ولكنهم مختلفون فى كيفية الاستفادة منه واستثماره ، ومن هنا يتقدم المتميزون
ويتأخر الفاشلون ، وهكذا تمضى الحياة ويرى فيها الناجحون ثمرات تسخير أوقاتهم لأسباب
النجاح ، ويرى الفاشلون نتائج فشلهم لأنهم لم يستغلوا أوقاتهم خير استغلال ، ولقد من
الله علينا بالأجهزة الحديثة مثل الحاسب الآلى والنت والفاكس وغيرها ، ومع ذلك فمن
الناس من يتفاخر بأنه يستغنى عن هذه النِعم أو الأجهزة الحديثة وغير مهتم بها ، إلا
ان هناك من الأشخاص من يحقق نجاحات شتى باستغلاله لتك الأجهوزة الحديثة التى توفر الجهد
والوقت وتنجز المصالح الكثيرة التى كانت غير متوفرة ولا متاحة من قبل.
وفى الحديث القدسى :
{وما مِن يوم ينشقُّ فجرُه إلا وينادي:
يا ابن آدم، أنا خلقٌ جديدٌ، وعلى عملِك شهيدٌ ، فتزوَّدْ منِّي، فإني لا أعود إلى
يوم القيامة}
وقيل : إن الوقت كالسيف إن لم تقتله قتلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق