{مواقف رمضانية لا تُنسى}
"12"
بقدوم شهر رمضان المبارك يتذكر المسلم أحبابه
من الأقارب والأصحاب والزملاء والجيران الذين غيبهم الموت خلال العام السابق ، تصاحبه
ذكرياته معهم معظم أوقات شهر رمضان دون غيره من الشهور ، ربما لأن المرء أقرب إلى فى
هذا الشهر من غيره ، لكثرة الأعمال الصالحة التى يؤديها.
ويمر هذا الأمر على كثير من الناس ، فيتتذكرون
أحبابهم الموتى لمجرد الذكرى ، أما القليل منهم فإن تذكر الموت لا يفارقه خوفا من الله
المحى المميت ، فيدعو لهؤلاء بأن يغفر الله لهم وأن يرحمهم رحمة واسعة.
وهناك من ينفذ وصية الرسول صلى الله عليه
وسلم فيتذكر الموت من حين لآخر ، فقد قال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكره أحد
في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها) ، وقد قيل (وقد قيل: من أكثر ذكر الموت
أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوجل بثلاثة:
تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل بالعبادة .) .
ولكن علينا أن نفهم أن تذكر الموت لا يعنى
كثرة الحزن وطول النحيب مع الإقامة على التفريط فى حق الله ، بل يجب أن يجب أن يقترن
بخوفنا من سوءالخاتمة.
وهناك من يتشاءم من ذكر الموت فيطلب منك
تغيير الحديث ، ولا مانع من الكلام عن أحوال الدنيا وأخبار الناس وربما يتطرق الحديث
إلى الغيبة والنميمة وغيرهما.
ومن الناس من إذا مات قريبٌ له ربما يتأثر
تأثرا وقتيا ، سرعان مايزول فيعود إلى طبعه ، فيطلب أن يقام لقريبه مأتم ضخم فخم ،
ولو أنفق الكثير من الأموال ، وهى فى النهاية أموال يتامى وأرملة ، وهم يحتاجون إليها
، وهذا الشخص ربما لن يهتم بهم فى المستقبل ، بل وربما لن يتفقدهم ولن يسأل عن احوالهم.
الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم واثقون من أن
نهايتهم الموت ، ولكن الكافر لايؤمن بما بعد الموت من مصير فإما إلى الجنة وإما إلى
النار ، على عكس المؤمن الذى يوقن بأن الدنيا دار عمل وأن الآخرة دار حساب ، ومن ثم
فنظرة المؤمن الصادق إلى الموت تختلف عن نظرة الكافر ، بل عن نظرة العاصى والمذنب الذى
يعيش عبدا للشهوات.
وكما قيل فإن العبرة بالخواتيم ، فالكثير
منا لا يعبأ بالموت ولا يتصور أن يأتيه فى أى وقت ، وهناك من يستعد للموت فى أى لحظة
من اللحظات ، فالأول لا يُكثر من الأعمال الصالحة ولا يداوم على التوبة إلى الله وكأن
الأمر أمر عادى، أما الآخر فيعمل للموت وهو موقن بأنه أقرب إليه من شراك نعله.
ومن منا لا يريد حسن الخاتمة إلا من أغلق
الشيطان على قلبه وبات عبدا لشهواته وللمعاصى والذنوب؟ ، وحتى ينال المرء حسن الخاتمة
فعليه أن يتمسك بالاستقامة ، فيكون مستقيما فى أقواله وأفعاله ، مستقيما فى سره وعلنه
، مستقيما فى سلوكياته وتصرفاته ، وقت الغضب ووقت الرضى ، فى العسر واليسر ، مستقيما
فى تعامله مع القوى وفى تعامله مع الضعيف ، ومع الغنى ومع الضعيف سواء بسواء ، فهو
كريم مع الغنى القوى وهو كريم أبضا مع الفقير الضعيف ، لأنه يتعامل مع الله وليس مع
الخلق.
ويجب على المسلم اذى يريد الفوز بحسن الخاتمة
أن يكون حسن الظن بالله ، فالله عن حسن ظن عبده به ، وحسن الظن بالله هو اعتقاد العبد
بما يليق بالله سبحانه وتعالى من أسماء وصفات وأفعال ، واعتقاد ما تقتضيه من آثار جليلة
، كاعتقاد أن الله تعالى يرحم عباده المستحقين ، ويعفو عنهم إن هم تابوا وأنابوا ،
ويقبل منهم طاعاتهم وعبادتهم ، واعتقاد أن له تعالى الحِكَم الجليلة فيما قدَّره وقضاه.
وعلى المرء للفوز بحسن الخاتمة أن يكون
تقيا ، بأن يخشى الله فيعمل ما أُمر به وينتهى عما نُهى عنه ، فبإيمان القلب مع عمل
الجوارح تكون التقوى، ومن ثم فعليك أن تخاف الله كأنه يراك هكذا في إيمانك وتوحيدك
إذا قمت بأى عمل اعلم أن الله يراك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، سبحانه.
وكذلك فيجب على المرء أن يكون صادقا فى
أقوله وأفعاله ، وفى وعوده ، وأن يصادق قوله فعله ، وأن يكون دائم التوبة إلى الله
، ليس بالكلام فقط ، وإنما بالكلام والأفعال ، والتزام الطاعات والبعد عن المعاصى والآثام.
وعليه أن يكون ذاكرا للموت دائما ، وأن
يتوهم نفسه وقت الموت ، وأى موتة قد تطوله ، وفى أى مكان وفى أى زمان ، هل سيموت وسط
أهله أو وحيدا بعيدا عنهم؟ ، هل سيموت فجأة أم سيمرض ثم يموت؟ ، وهكذا يضع نفسه صوب
الموت وخاتمته حتى ينال حسن الخاتمة ، وعليه أن يخاف من سوء الخاتمة كالإصرار على المعاصى
وتسويف التوبة وحب الدنيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق